فصل: (سورة التوبة: آية 58)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة التوبة: آية 55]

{فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (55)}
الإعجاب بالشيء: أن يسرّ به سرور راض به متعجب من حسنه. والمعنى: فلا تستحسن ولا تفتنن بما أوتوا من زينة الدنيا، كقوله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ} فإن اللّه تعالى إنما أعطاهم ما أعطاهم للعذاب، بأن عرّضه للتغنم والسبي، وبلاهم فيه بالآفات والمصائب، وكلفهم الإنفاق منه في أبواب الخير، وهم كارهون له على رغم أنوفهم، وأذاقهم أنواع الكلف والمجاشم في جمعه واكتسابه وفي تربية أولادهم. فإن قلت: إن صح تعليق التعذيب بإرادة اللّه تعالى، فما بال زهوق أنفسهم {وَهُمْ كارِهُونَ}؟ قلت: المراد الاستدراج بالنعم، كقوله تعالى: {إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْمًا} كأنه قيل: ويريد أن يديم عليهم نعمته إلى أن يموتوا {وهم كافرون}، ملتهون بالتمتع عن النظر للعاقبة.

.[سورة التوبة: الآيات 56- 57]

{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)}
{لَمِنْكُمْ} لمن جملة المسلمين {يَفْرَقُونَ} يخافون القتل وما يفعل بالمشركين، فيتظاهرون بالإسلام تقية {مَلْجَأً} مكانًا يلتجئون إليه متحصنين به من رأس جبل أو قلعة أو جزيرة {أَوْ مَغاراتٍ} أو غيرانا. وقرئ بضم الميم، من أغار الرجل وغار إذا دخل الغور. وقيل: هو تعدية غار الشيء وأغرته أنا، يعنى: أمكنة يغيرون فيها أشخاصهم. ويجوز أن يكون من: أغار الثعلب، إذا أسرع، بمعنى مهارب ومفارّ {أَوْ مُدَّخَلًا} أو نفقا يندسون فيه وينجحرون، وهو مفتعل من الدخول. وقرئ {مدخلا} من دخل، ومدخلا من أدخل: مكانا يدخلون فيه أنفسهم.
وقرأ أبى بن كعب رضى اللّه عنه: {متدخلا} وقرئ: لو ألوا إليه لالتجؤوا إليه {يَجْمَحُونَ} يسرعون إسراعا لا يردّهم شيء، من الفرس الجموح، وهو الذي إذا حمل لم يردّه اللجام.
وقرأ أنس رضى اللّه عنه: يجمزون. فسئل فقال: يجمحون ويجمزون ويشتدّون واحد.

.[سورة التوبة: آية 58]

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)}
{يَلْمِزُكَ} يعيبك في قسمة الصدقات ويطعن عليك. قيل: هم المؤلفة قلوبهم. وقيل هو ابن ذى الخويصرة رأس الخوارج، كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقسم غنائم حنين فقال: اعدل يا رسول اللّه، فقال صلوات اللّه عليه وسلامه «ويلك إن لم أعدل فمن يعدل؟». وقيل: هو أبو الجواظ، من المنافقين، قال: ألا ترون إلى صاحبكم! إنما يقسم صدقاتكم في رعاة الغنم، وهو يزعم أنه يعدل، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «لا أبا لك أما كان موسى راعيًا أما كان داود راعيًا» فلما ذهب قال عليه الصلاة والسلام: «احذروا هذا وأصحابه فإنهم منافقون».
وقرئ: {يلمزك} بالضم، ويلمزك ويلامزك. التثقيل والبناء على المفاعلة مبالغة في اللمز.
ثم وصفهم بأن رضاهم وسخطهم لأنفسهم، لا للدين وما فيه صلاح أهله، لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم استعطف قلوب أهل مكة يومئذ بتوفير الغنائم عليهم فضجر المنافقون منه. وإذا للمفاجأة: أي وإن لم يعطوا منها فاجئوا للسخط.

.[سورة التوبة: آية 59]

{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (59)}
جواب لو محذوف تقديره: ولو أنهم رضوا لكان خيرًا لهم. والمعنى: ولو أنهم رضوا ما أصابهم به الرسول من الغنيمة وطابت به نفوسهم وإن قلّ نصيبهم وقالوا كفانا فضل اللّه وصنعه، وحسبنا ما قسم لنا سيرزقنا اللّه غنيمة أخرى فيؤتينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أكثر مما آتانا اليوم إِنَّا إِلَى اللَّهِ في أن يغنمنا ويخولنا فضله لراغبون. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)} إلى قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)}
التفسير: هذا نوع آخر من خبث ضمائر المنافقين. عن ابن عباس: الحسنة في قوم بدر والمصيبة في يوم أحد. والأولى حمله على العموم إذ معلوم من حال المنافقين أنهم كانوا في كل حسنة وعند كل مصيبة بالوصف الذي ذكر الله تعالى. ومعنى {أخذنا أمرنا} أي أمرنا الذي نحن موسومون به من التيقظ والتحرر وحسن الرأي والتدبير. و{من قبل} أي من قبل ما وقع {وتولوا} أي عن مقام التحدث بذلك إلى أهاليهم أو أعرضوا عن الرسول {وهم فرحون} مسرورون ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول في جوابهم {لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا} قيل: أي في اللوح المحفوظ من خير أو شر أو خوف أو رجاء أو شدة أو رخاء. وفائدته أنه إذا علم الإنسان أن الذي وقع امتنع أن لا يقع- لأن خلاف معلوم الله ومقدوره محال- زالت عنه مناعة النفس وهانت عليه المصائب. وقيل: أي في عاقبة أمرنا من الظفر بالعدوّ وإظهار دين الله على كل الأديان فيكون المقصود أن أحوال المسلمين وإن كانت مختلفة في الغم والسرور والمحنة إلا أن العاقبة والدولة تكون لهم والظفر يقع في جانبهم فلا معنى لفرح المنافقين في الحال. وقال الزجاج: معناه لن يصيبنا إلا ما اختصنا الله به من الصنرة عليكم أو الشهادة، وعلى هذا القول يقع ما في الآية الثانية كالمكرر {هو مولانا} لا يتولى أمورنا إلا هو يفعل بنا ما يريد من أسباب التهاني والتعازي، لا اعتراض لأحد عليه.
{وعلى الله فليتوكل المؤمنون} فيه تنبيه على أن المؤمن يجب أن لا يعلق الرجاء إلا برب الأرباب فإنهم يتعلقون بالوسائط والأسباب.
ثم أمره بجواب ثانٍ فقال: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} التربص التمسك بما ينتظر به مجيء حينه ومنه تربص بالطعام إذا تمسك به إلى حين زيادة سعره. والحسنى تأنيث الأحسن وهي صفة الحالة أو الخصلة أو العاقبة يعني النصرة أو الشهادة. وفي الأولى إحراز الغنيمة والظفر بالأعداء، وفي الثانية إبقاء الذكر والفوز بنعيم الآخرة.
{ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده} قارعة مثل قارعة عاد وثمود وقيل: عذاب الله يشمل عذاب الدارين {أو بأيدينا} يعني القتل بأن يظهر نفاقكم ويأمر بقتلكم كالكافر الحربي {فتربصوا} أمر للتهديد نحو {ذق أنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 49] ثم ذكر أنهم إن أتوا بشيء من صورة البر لم يكن له قدر عند الله ولا ينتفعون به في الآخرة، والغرض أن أسباب الذل والهوان مجتمعة عليهم في الدنيا والأخرى. عن ابن عباس نزلت في الجد بن قيس حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ائذن لي في القعود وهذا مالي أعينك به. ولا يبعد أن يكون السبب خاصًا والحكم عامًا. و{أنفقوا} لفظه أمر ومعناه خبر كقوله فيما يجيء {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم} [التوبة: 80] ومعناه أنفقوا وانظروا هل يتقبل منكم واستغفر لهم، أو لا تستغفر لهم وانظر هل ترى اختلافًا بين حال الاستغفار وتركه؟ ومثله قول كثير لعزة:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة

كأنه يقول: امتحني لطف محلك عندي وعامليني بالإساءة والإحسان وانظري هل تجدين مني تفاوتًا في الحالين. وإنما يجوز إقامة الخبر والطلب أحدهما مقام الآخر إذا دل الكلام عليه فيعدل عن الأصل لإفادة المبالغة. وانتصب {طوعًا أو كرهًا} على الحال ومعناه طائعين من غير إلزام من الله ورسوله أو ملزمين من جهتهما. وسمي الإلزام كراهًا لأنهم منافقون فكان إلزام الله إياهم الإنفاق شاقًا عليهم كالإكراه. ويحتمل أن يراد طائعين من غير إكراه من رؤسائكم أو ملزمين من جهتهم، وذلك أن رؤساء أهل النفاق كانوا يحملونهم على الإنفاق إذا رأوا فيه مصلحة. ومعنى {لن يتقبل منكم} أن الرسول لا يقبله منكم، أو أنه لا يقع قبولًا عند الله. ثم علل عدم القبول بقوله: {إنكم كنتم قومًا فاسقين} قال الجبائي: فيه دليل على أن الفسق يحبط الطاعات. وأجيب بأن الفسق هاهنا بمعنى الكفر ولا يلزم منه كون الفسق المطلق كذلك. وإنما قلنا إن الفسق بمعنى الكفر لقوله سبحانه: {وما منعهم أن تقبل منهم} الآية علل منع القبول بأمور ثلاثة: أولها: الكفر بالله وبرسوله. وثانيها {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى} قال المفسرون: معناه أنه إن كان في جماعة صلى وإن كان وحده لم يصل، وفيه أنه يصلي للناس لا لله، وفيه أنه غير معتقد للصلاة ووجوبها فلهذا لزم منه الكفر.
وثالثها: {ولا ينفقون إلا وهم كارهون} ولك أنهم لا ينفقون رغبة في ثواب الله وإنما ينفقون لأجل المصالح الدنيوية، فهم في حكم الكارهين وإن أنفقوا مختارين يعدون الإنفاق مغرمًا ومنعه مغنمًا خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم» قيل: الكفر بالله سبب مستقل في منع القبول فكيف ضم إليه الأمرين الآخرين؟ والجواب أنها أمارات ويجوز توارد الأمارت المتعددة على شيء واحد. بوجه آخر أطلق كفرهم أولًا ثم قيده بعدم اعتقادهم وجوب الصلاة والزكاة، وبعبارة أخرى حكم عليهم بالكفر مطلقًا ثم خص من أنواع كفرهم هذين تفظيعًا لشأن تارك الصلاة والزكاة.
قال في الكشاف: وقرأت في بعض الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره للمؤمن أن يقول كسلت كأنه ذهب إلى هذه الآية. وأن الكسل من صفات المنافقين.
قال بعض العلماء: وجه الجمع بين قوله: {فَمَنْ يعمل مثقال ذرة خيرًا يره} [الزلزلة: 7] وبين مضمون هذه الآية وهو أن شيئًا من أعمال البر لا يكون مقبولًا عند الله مع الكفر، هو أن يصرف ذلك إلى تأثيره في تخفيف العقاب. ولقائل أن يقول: لو لم يكن مقبولًا وإلا لم يكن له في التخفيف أيضًا أثر. وقيل: في الآية دلالة على أن الصلاة لازمة للكفار وإلا لم يكن الإتيان بها على وجه الكسل مانعًا من تقبل طاعاتهم كما أن قيامهم وقعودهم وسائر تصرفاتهم على وجه الكسل ليس مانعًا من التقبل بالإنفاق. ثم لما قطع رجاء المنافقين عن منافع الآخرة أراد أن يبّين أن ما يظنونه من منافع الدنيا فهو أيضًا في الحقيقة سبب لتعذيبهم وبلائهم وتشديد المحنة عليهم فقال مخاطبًا للرسول صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد {فلا تعجبك} الآية. ونظيره {ولا تمدّن عينيك} [طه: 131] وإنما قال: {فلا تعجبك} بالفاء لأن ما قبله مستقبل يصلح للشرط أي إن يكن فيهم ما ذكرنا من الإتيان بالصلاة على وجه الكسل وغير ذلك فهذا جزاؤه، وهذ بخلاف ما سيجيء في الآية الآخرى من هذه السورة. والإعجاب سرور المرء بالشيء مع نوع من الافتخار واعتقاد أنه ليس لغيره ما يساويه، وأنه من البعيد في حكم الله أن يزيل ذلك الشيء عنه ويحصله لغيره كقوله: {ما أظن أن تبيد هذه أبدًا} [الكهف: 35] ولا شك أن هذه خصلة مذمومة من جهة استغراق النفس في ذلك الشيء وانقطاعها عن الله، ومن جهة استبعاد إزالته في قدرة الله، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث مهلكات: شح مطاع وهوى متيع وإعجاب المرء بنفسه» والمقصود من الآية زجر الناس عن الانصباب إلى الدنيا والمنع من التهالك في حبها، فإن المسكن الأصلي هو الآخرة لا الأولى.
وقوله: {إنما يريد الله ليعذبهم} إعرابه كما مر في قوله: {يريد الله ليبين لكم} [النساء: 26] قال مجاهد والسدي وقتادة: في الآية تقديم وتأخير والتقدير: فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة كأنهم نظروا إلى أن المال والولد لا يكونان عذابًا بل هما من نعم الله تعالى على عباده، وأورد عليه أنهما لا يكونان عذابًا في الآخرة أيضًا. فإن تكلفوا وقالوا: أراد بذلك أنهما سبب العذاب فقد استغنوا عن التقديم والتأخير لأنهما قد يكونان سببًا للعذاب في الدنيا أيضًا. وبوجه أخر، المال والولد وكذا الإعجاب بهما يكونان. في الدنيا لا محالة، فأي فائدة في ذكرها؟ واعلم أن الأموال والأولاد قد يكونان سببًا للتعذيب في الدنيا والآخرة، وذلك أن كل ما كان حبه للشيء أشد كان خوفه عن فواته أكثر وحزنه على فواته أعظم. فصاحب المال أبدًا إما في خوف فوات المال وإما في حزن فواته وإما في تعب حفظه وتثميره. ثم إن الدنيا حلوه خضرة فإذا كثر ماله انصب بكليته إليه ويفضي إلى طغيانه وقساوة قلبه إلى أن ينسى حب الله وذكر الآخرة. ثم إنه إن بقي عليه ذلك إلى آخر عمره فعند الموت يعظم أسفه على مفارقته وكان كمن ينتقل من بستان ونعيم إلى سجن وجحيم وعند الحشر يكون حلاله حسابًا وحرانه عذابًا فثبت أن حصول المال سبب لعذاب الدارين. إلا من يتصرف فيه بالحق ومثله يكون نادرًا، وكذا الكلام في الولد. وهذا المعنى وإن كان عامًا للكل إلا أن المنافقين لهم وجوه اختصاص بالتعذيب. وذلك أن الرجل إذا كان مؤمنًا بالله واليوم الآخر علم أنه إنما خلق للآخرة لا للدنيا فيفتر حبه للأمور الدنيوية بخلاف المنافق الذي اعتقد أن لا سعادة إلا هذه الخيرات العاجلة. وأيضًا إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكلفهم إنفاق الأموال وبعث الأولاد إلى الغزو والجهاد، وكانوا لا يعتقدون في ذلك فائدة أخروية، وكانوا في أشق تكليف، وكانوا مبغضين للنبي صلى الله عليه وسلم مع أنهم كانوا مضطرين إلى بذل المال وبعث الأولاد إلى خدمته، وكانا خائفين من افتضاحهم وإظهار نفاقهم وتعريض أولادهم وأموالهم للنهب والسبي، وكثير منهم كان لهم أولاد أتقياء مخلصون كحنظلة بن أبي عامر غسلته الملائكة، وكعب الله بن عبد الله بن أبيّ شهد بدرًا وكان عند الله بمكان، وهم خلق كثير كانوا يزيفون طريق آبائهم في النفاق ويقدحون فيهم، والابن إذا صار هكذا تأذى الأب بسببه ولأجل هذه المعاني ذكر بعض العلماء أن التقدير: يريد الله أن يزيد في أموالهم ليعذبهم. أما قوله: {وتزهق أنفسهم} أي تخرج {وهم كافرون} فقد قالت الأشاعرة: فيه دليل على أنه تعالى أراد منهم الكفر.